فصل: باب ما جاء في أمر الغنم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في أمر الغنم

1812- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم قال أبو عمر أما قوله عليه السلام رأس الكفر نحو المشرق فمعناه أن كفر أهل المشرق - وهم ذلك الوقت فارس وما وراءهم من العجم وكلهم لا كتاب له ولا شريعة ومن كان كذلك فكفره أشد الكفر لأنه لا يقر بنبي ولا برسول ولا كتاب له ولا شريعة ولا يدين بدين يرضاه الله عز وجل‏.‏

وأما قوله والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر فإنه أراد الأعراب أهل الجفاء والتكبر وهم أهل الخيل والإبل وكلهم أو جلهم فداد متكبر على متجبر هذا معنى الفداد عند أهل العلم واللغة وإن كان أهل اللغة قد اختلفوا في العبارة في الفدادين واشتقاق الاسم فيهم على ما ذكرناه في التمهيد عنهم وأحسن ذلك ما قاله أبو عبيد قال الفداد ذو المال الكثير المختال ذو الخيلاء قال ومنه الحديث أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له ربما مشيت على فدادا قال أبو عمر الحديث في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول بن آدم ما غرك بي لقد كنت تمشي حولي فدادا في حديث قد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد‏.‏

وقال مالك الفدادون أهل الجبل من أهل الوبر وهم أهل الخيل والإبل قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قيس بن عاصم أنه قال أهل الإبل أهل الجفاء روى وهب بن منبه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لزم البادية جفا وقد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد وفي كتاب جامع بيان العلم‏.‏

وأما قوله عليه السلام والسكنية في أهل الغنم فالسكينة مأخوذة من السكون والوقار والله أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والسكينة اسم يمدح به ويذم بضده‏.‏

1813- مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن قال أبو عمر رواه بعض شيوخنا شعب الجبال فصحف وإنما هو شعف الجبال واحدتها شعفة وهي رؤوس الجبال وأعاليها‏.‏

وأما الفتن فكثيرة في الأهل والمال وما يلقاه المؤمن ممن يحسره ويؤذيه حتى يفتنه عن دينه أو ممن يراه يفوقه في المال والجاه والحال فتكون فتنة له وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في معاني الفتن كثيرة وفي هذا الحديث دليل على تغيير الأزمنة وعلى فضل العزلة وقد ذكرت من فضل اعتزال الناس والبعد عن شرورهم وما ندب إليه وحض عليه من ذلك أهل العلم ما فيه كفاية في التمهيد والحمد لله ذكر عن عبد الله بن مسعود أنه مر به رجل يحبس طائرا فقال وددت أني حيث صيد هذا الطائر لا يكلمني أحد ولا أكلمه وقال عمر بن الخطاب اليأس غنى والطمع فقر حاضر وفي العزلة راحة من خلطاء السوء وقال أبو الدرداء نعم صومعة الرجل المسلم بيته يكف فيه بصره ونفسه وإياكم والمجالس في الأسواق فإنها تلغي وتلهي وقال طلحة بن عبيد الله أقل لعيب الرجل لزومه بيته وقال حذيفة وددت أني وجدت من يقوم لي في مالي فدخلت في بيتي وأغلقت علي بابي فلم يدخل علي أحد ولم أخرج إلى أحد حتى ألقى الله عز وجل وقال بن لهيعة عن يسار بن عبد الرحمن قال لي بكير بن الأشج ما فعل خالك قلت لزم البيت منذ كذا وكذا فقال له إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم وهذا الباب قد أشبعناه بالآثار المرفوعة عن الصحابة من سائر السلف في التمهيد والحمد لله ولقد أحسن منصور الفقيه حيث يقول‏:‏

ليس هذا زمان قولك ما الحك *** م على من يقول أنت حرام

وألحقي بائنا بأهلك أو أن *** ت عتيق محرر يا غلام

ومتى تنكح المصابة في العد *** دة عن شبهة وكيف الكلام

في حرام أصاب سن غزال *** فتولى وللغزال بغام

إنما ذا زمان كد إلى الموت *** وقوت مبلغ والسلام

1814- مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه قال أبو عمر هذا الحديث يقضي بأن اللبن يسمى طعاما وكل مطعوم في اللغة العربية فهو طعام واللبن طعام يغني عن الطعام والشراب وليس شيء سواه يغني في ذلك سواه وقد مضى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما تقدم من هذا الكتاب وهذا الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه إلا أن العلماء اختلفوا فيما يأكله الإنسان من الثمار المعلقة في الأشجار للمسافر وسائر المارين من مال الصديق وغيره وأكثرهم يجيز أكل مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح في مثله وإن كان ذلك بغير إذنه ما لم يكن يجب فعله واللبن في الضرع يشبه الطعام المخزون تحت الأقفال فقد شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بذلك في قوله فتكسر خزانته وما أعلم بين أهل العلم خلافا أنه لا يجوز كسر قفل مسلم ولا ذمي لأخذ شيء من ماله بغير إذنه والله أعلم وليس الثمر المعلق عند أكثرهم كذلك والآثار كثيرة حسان مذكورة وردت في ذلك منها حديث الليث بن سعد عن بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا فأكل منه فلا يتخذ خبنة وروى قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثة فإن أجابه أحد فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل وهذه الآثار يحتمل أن تكون في من احتاج وجاع أو في مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح وذكر بن المبارك قال أخبرنا عاصم الأحول عن أبي زينب قال صحبت عبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك وأبا برزة في سفر فكانوا يصيبون من الثمر وقال أبو داود الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم التستري قال سمعت الحسن يقول يأكل ولا يفسد ولا يحمل وعن عمر بن الخطاب مثل ذلك في أموال أهل الذمة وغيرهم‏.‏

وأما مالك - رحمه الله - فذكر بن وهب عنه أنه سمعه يقول في الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطا قال لا يأكل منه إلا أن يعلم أن صاحبه طيب النفس به أو يكون محتاجا إلى ذلك فأرجو أن لا يكون به بأس ولا يكون عليه شيء إن شاء الله تعالى قال وسمعت مالكا يقول في المسافر ينزل بالذمي أنه لا يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه وعن طيب نفس منه فقيل لمالك أرأيت الضيافة التي جعلت عليهم ثلاثة أيام فقال كان يومئذ يخفف عنهم بذلك وذكر الحارث بن مسكين قال سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول خرجنا مرابطين إلى الإسكندرية فمررنا بجنان الليث بن سعد فدخلنا فأكلنا من الثمر فلما أن رجعت دعتني نفسي إلى أن أستحل ذلك من الليث فدخلت إليه فقلت يا أبا الحارث إنا خرجنا مرابطين ومررنا بجنانك فأكلنا من الثمر وأحببنا أن تجعلنا في حل فقال الليث يا بن أخي لقد نسكت نسكا أعجميا أما سمعت الله عز وجل يقول ‏(‏أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا‏)‏ ‏[‏النور 61‏]‏‏.‏

فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشيء التافه الذي يسره بذلك وأكثر ذلك فيما كان ثمرا معلقا غير المدخرات ومن المدخرات ما لا يتشاح في مثله ويعلم أن صاحبه تطيب به نفسه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثي محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل رجل منا من بني غبر قال أصابتنا مجاعة فأتيت المدينة فدخلت حائطا من حيطانها فأخذت سنبلا ففركته وأكلت منه وحملت في ثوبي فجاءني صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما علمته إذ كان جاهلا ولا أطعمته إذا كان جائعا قال فرد علي الثوب وأمر لي بوسق أو نصف وسق قال أبو عمر يحتمل أن يكون ضربه له لأنه أخذ فوق ما سد جوعه وما حمل في غير بطنه‏.‏

1815- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي إلا قد رعى غنما قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا قال أبو عمر هذا يدل على فضل الغنم وفضل اكتسابها ورعيها والقيام بها تبركا بأنبياء الله - عز وجل - صلوات الله عليهم وحسبك بما ذكره الله - عز وجل - في كتابه لموسى فقال عز وجل ‏(‏وما تلك بيمينك يموسى قال هي عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ‏)‏ ‏[‏طه 17‏]‏‏.‏

18 والهش تحريك ورق الشجر بالعود ليسقط إلى الغنم فتأكلها وهذا الحديث قد روي مسندا إلا أنه اختلف فيه على أبي سلمة بن عبد الرحمن على ما قد ذكرناه في التمهيد والحمد لله كثيرا حدثني يعيش بن سعيد قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب قال حدثني بشر بن آدم قال حدثني إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بثمر الأراك فقال عليكم بأسوده فإني كنت أجتنيه إذ كنت أرعى الغنم قالوا يا رسول الله وكنت ترعى الغنم قال نعم وما من نبي إلا وقد رعى الغنم وفي هذا الحديث إباحة الإخبار عن الماضين من الأنبياء في قياس ذلك والله أعلم - ذلك الإخبار عن الأمم الماضية والقرون السالفة وعلم أيام الناس ومن أول ما ذكر في هذا الباب ما قد ذكره مالك في هذا الكتاب في باب جامع الطعام والشراب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم عن أبي هريرة موقوفا ورواه الدراوردي بإسناد حسن أيضا عن محمد بن عجلان عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أنه مر عليه وهو يرعى غنما له فقال له أبو هريرة إلى أين تريد قال أريد غنما لي قال امسح رغامها وأطب مراحها وصل في حاشية مراحها فإنها من دواب الجنة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وللدراوردي بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة ليست بأرض مطر ‏(‏7أ - باب البدء بالأكل قبل الصلاة‏)‏‏.‏

1816- مالك عن نافع أن بن عمر كان يقرب إليه عشاؤه فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته منه قال أبو عمر هذا الحديث كتاب الصلاة كان أولى به وفعل بن عمر هذا مأخوذ من السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وهذا -والله أعلم- لما يخشى على من كانت هذه حاله من شغل باله بالأكل ويدخل عليه في صلاته السهو وما يشغله عن الخشوع والذكر وفيه دليل على سعة وقت المغرب وإن كان المستحب تعجيلها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء ونودي بالصلاة فابدؤوا بالعشاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يحيى بن حبيب قال حدثني حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء قال أبو عمر هذا الأمر على الندب لا على الإيجاب بدليل حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين ثم قام فصلى ولم يتوضأ‏.‏

باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن

1817- مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال انزعوها وما حولها فاطرحوه قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في الفأرة أنها ماتت وهو محفوظ فيه ومعلوم عند الجميع وفي قوله ألقوها دليل على موتها قال أبو عمر اضطرب مالك في إسناد هذا الحديث في الموطأ وفي غيره فرواه عنه جماعة كثيرة يطول ذكرهم كما رواه يحيى بن يحيى صاحبنا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورواه القعنبي وطائفة كثيرة أيضا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا ميمونة ورواه بن بكير وأبو مصعب عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا بن عباس ولا ميمونة وقد ذكرنا في التمهيد كل من تابع يحيى على ما ذكرنا ومن تابع القعنبي على ما ذكرنا وسميناهم هنالك والحمد لله ورواه يحيى القطان وجويرية عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس أن ميمونة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وهذا اضطراب شديد وقد اختلف في إسناده أيضا أصحاب بن شهاب على بن شهاب وفي لفظه أيضا وعند معمر فيه عن بن شهاب إسنادان أحدهما عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس والثاني عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وزاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه وقال فيه عبد الواحد بن زياد عن معمر بهذا الإسناد وإن كان مائعا - أو قال ذائبا - لم يؤكل ولكن انتفعوا به واستصبحوا وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما ذكرنا في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه معان كثيرة وقد تقصيناها في التمهيد منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم للسمن الجامد الملاصق للفأرة بحكم الفأرة الميتة بتحريم الله - عز وجل - الميتة على عباده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء الفأرة وإلقاء ما مسها واتصل بها من السمن الجامد وأجمع العلماء على أن أكل الفأرة الميتة وما باشرها من السمن الجامد حرام لا يحل أكل شيء من ذلك واختلفوا في السمن المائع الذائب والزيت المائع والخل والعسل والمري وسائر المائعات فقال جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار لا يؤكل شيء من ذلك كله إذا مات فيه شيء من الحيوان الذي له دم سائل كالفأرة والعصفور والدجاجة والوزغة وسائر الحيوان المأكول بالذكاة وما يؤكل من الحيوان أصلا فهو بذلك عندهم أحرى وشذت طائفة عن الجماعة منهم داود فقالوا لا يؤكل الجامد المتصل بالفأرة من السمن ويؤكل غير ذلك كله من مائع وجامد إذا لم تظهر فيه النجاسة الواقعة فيه ولم تغير شيئا منه وحكموا هنا للمائعات حكم الماء ومن أهل البدع أيضا من أجاز أكل الجامد وغير الجامد إذا وقعت فيه الفأرة وردوا الحديث كردهم لسائر أخبار الآحاد العدول عصمنا الله برحمته من الخذلان ويلزم داود ومن قال بقوله أن لا يتعدى الفأرة كما لا يتعدى السمن وأظنه قاله أو قاله بعض أصحابه ويلزمهم أيضا أن لا يعتبروا إلقاءها في السمن الجامد حتى تكون هي التي وقعت بنفسها فماتت لأن الحديث إنما ورد في فأرة وقع في سمن ليس فيه ألقيت وكفى بقول يؤول برد أصله إلى هذا فسادا وقبحا فهذا ما كان في أكل المائع إذا وقعت فيه الميتة والحيوان فمات واختلف الفقهاء في الزيت تموت فيه الفأرة أو تقع فيه ميتة هل يستصبح به أو ينتفع منه في الأكل وغير الأكل أم لا فقال منهم قائلون لا يستصبح به ولا يباع ولا ينتفع بشيء منه كما لا يؤكل وممن قال ذلك الحسن بن صالح وأحمد بن حنبل ومن حجة من قال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه كذا قال فيه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود أو قاتل الله اليهود - حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها يعيبهم بذلك واحتج أحمد أيضا بحديث عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال فحكم ما وقعت فيه الميتة حكم الميتة وقال آخرون يجوز الاستصباح بالزيت تقع فيه الميتة وينتفع به في الصابون وشبهه ولا يباع ولا يؤكل فإنه لا يجوز بيعه ولا أكله وممن قال ذلك مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر إجازة الاستصباح به قال علي - رضي الله عنه استنفع به للسراج ولا تأكله وروى الثوري ومعمر عن أيوب السختياني عن نافع ورواه بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن فأرة وقعت في أفراق زيت لآل عبد الله بن عمر فأمرهم بن عمر أن يستصبحوا به ويدهنوا به الأدم ومن حجة هؤلاء أيضا - إلى ما تقدم ذكره - قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر إن الذي حرم شربها حرم بيعها وقال آخرون ينتفع بالزيت الذي تقع فيه الفأرة والميتة كلها بالبيع وبكل شيء ما عدا الأكل فإنه لا يؤكل قالوا وجائز أن يبيعه ويبين وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه والبيع من الانتفاع وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد ويروى عن أبي موسى الأشعري قال لا تأكلوه وبيعوه لمن تبيعونه ولا تبيعوه من المسلمين قال أبو عمر قوله لا تبيعوه من المسلمين ليس بشيء وذكر بن وهب عن بن لهيعة وحيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران أنه قال سألت القاسم وسالما عن الزيت تموت فيه الفأرة هل يصلح أن يؤكل قالا لا قلت أفأبيعه قالا نعم ثم كلوا ثمنه وبينوا لمن يشتريه ما وقع فيه ومن حجتهما رواه عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقع في السمن قال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فستصبحوا به وانتفعوا به قالوا والبيع من الانتفاع قال ويحتمل ما رواه عبد الرزاق في هذا الحديث قوله وإن كان مائعا فلا تقربوه أي للأكل قال أبو عمر هذا تعسف في التأويل وبعد من الصواب بل قوله وإن كان مائعا فاستصبحوا به وانتفعوا يريد أن ينتفع به في الاستصباح لا غيره ولو أراد غير الاستصباح لذكره على أن عبد الرزاق أثبت في معمر من عبد الواحد بن زياد وهو الحجة عليه وعلى مثله فيه ومن حجة أبي حنيفة أيضا ومن قال بقوله في جواز البيع في الزيت المنجوس أن قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها إنما خرج عليهم شحوم الميتة وشحوم الميتة نجسة الذات فلا يحل بيعها ولا أكلها ولا الانتفاع بشيء منها والزيت الذي تقع فيه الميتة إنما نجس بالجوار كالثوب الذي يصيبه الدم ولذلك رأى غسله من رآه من أهل العلم وذكروا حديث يزيد بن أبي حبيب عن عطاء عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بمكة يقول إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها الناس فقال هي حرام ثم قال قاتل الله اليهود لما حرم عليهم الشحم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه يحذر أمته أن يفعلوا مثل ذلك وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في التمهيد قالوا فعلى هذا خرج قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود في بيع الشحوم وأكل ثمنها وفي بيع الخمر وأكل ثمنها لأنها نجسة الذات مثل شحوم الميتة والدم وليس الزيت تقع فيه الميتة كذلك لأنه إنما نجس بالمجاورة وليس بنجس الذات فلذلك جاز بيعه إذا بين بعيبه وجاز أكل ثمنه لأنه مما ينتفع به للاستصباح وغيره‏.‏

باب ما يتقى من الشؤم

1818- مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم‏.‏

1819- مالك عن بن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الدار والمرأة والفرس قال أبو عمر قطع في هذا الحديث بالشؤم لأنه قد يكون في هذه الثلاث ولم يقطع في ذلك بحديث أبي حازم وقد روى هذا الحديث معمر عن بن شهاب بإسناده وزاد فيه وقالت أم سلمة والسيف فلا أدري من قول بن شهاب ذلك عن أم سلمة أم من قول بن عمر عنها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث بن عمر في الشؤم فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا طيرة رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله ‏!‏ وما الفأل قال الكلمة الصالحة وقد ذكرت إسناده في التمهيد وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة والطيرة على من تطير وإن تكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس وذكرت هناك أيضا إسناد حديث حكيم بن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شؤم وقد يكون اليمن في الدار والفرس والمرأة وحديث قتادة عن أبي حسان أن عائشة أنكرت على أبي هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطيرة في المرأة والدار والدابة فأقسمت أنه ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وإنما كان أهل الجاهلية يقرونه ثم قرأت ‏(‏ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتب من قبل أن نبرأها‏)‏ ‏[‏الحديد 22‏]‏‏.‏

قال أبو عمر أهل العلم لا يرون الإنكار علما ولا النفي شهادة ولا خبرا وقد مضى في معنى قوله عليه السلام لا عدوى ما هو زيادة في هذا الباب والله الموفق للصواب‏.‏

1820- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ‏!‏ دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر قوله ذميمة يعني مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون كارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها فهذا الحديث قد روي مسندا ومرسلا من حديث أنس والمسند رواه عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قد ذكرناه في التمهيد وروى معمر وبن عيينة عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إنا سكنا دارا وعددنا كثير فهلكنا وكان لنا مال ونشب فافتقرنا وذات بيننا حسن فاختلفنا وساءت أخلاقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر هذا عندي -والله أعلم- قول قاله صلى الله عليه وسلم لقوم علم منهم أن الطيرة والشؤم قد غلب عليهم وثبت في نفوسهم لأن إزاحة ما وقر في النفوس عسير ولذلك قال لهم دعوها ذميمة يريد إذا وقع بنفوسكم منها ما لا يكاد أن يزول منها وهذا عندي من معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنما الطيرة على من تطير أي على من اعتقدها وصحت في نفسه لزمته ولم تكن تخطئه ولقد أحسن القائل‏:‏

ولست أبالي حين أغدو مسافرا *** أصاح غراب أم تعرض ثعلب

والنشب المال قال أبو العتاهية‏:‏

وليس الغنى نشب في يد *** ولكن غنى النفس عين الغنى

باب ما يكره من الأسماء

1821- مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله قال للقحة تحلب من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال له الرجل مرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمك فقال يعيش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احلب قال أبو عمر قد روي هذا الحديث مسندا حدثنا عبد الرحمن قال حدثني علي قال حدثني أحمد قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال حدثني بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بناقة فقال من يحلبها فقام رجل فقال ما اسمك قال مره قال اقعد ثم قام آخر فقال ما اسمك قال حرب قال اقعد ثم قام رجل فقال ما اسمك فقال يعيش قال احلبها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية أنه قال شر الأسماء حرب ومرة وقد ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر هذا عندي -والله أعلم- من باب الفأل الحسن فإنه صلى الله عليه وسلم كان يطلبه ويعجبه وليس من باب الطيرة في شيء لأنه محال أن ينهى عن الطيرة ويأتها بل هو باب الفأل فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن وقد روى حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه لحاجة يحب أن يسمع يا نجيح يا راشد يا مبارك وقال بن عون عن بن سيرين كانوا يستحبون الفأل ويكرهون الطيرة قال بن عون ومثل ذلك أن يكون باغيا طالبا فتسمع يا واجد أو تكون مربضا فتسمع يا سالم حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى عن هشام وشعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل وما الفأل قال الكلمة الحسنة‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني حسين بن حريث قال حدثني أوس بن عبد الله بن بريدة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير ولكن كان يتفاءل فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال له نبي الله من أنت قال أنا بريدة قال فالتفت إلى أبي بكر وقال له يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قلت من أسلم قال لأبي بكر سلمنا قال ثم ممن قال من بني سهم قال خرج سهمك قال أحمد بن زهير قال لنا أبو عمار حسين بن حريث سمعت أوسا يحدث بهذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن بريدة فأعدت عليه ثلاثا من حدثك قال سهل أخي‏.‏

1822- مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال بن من فقال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا قال فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أبو عمر لا أدري ما أقول في هذا إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون بعدي محدثون فإن يكن فعمر وقال علي - رضي الله عنه ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وقد وافق ظنه ورأيه نزول تحريم الخمر وكذلك آية فداء الأسرى وآية الحجاب ومقام إبراهيم وقد يوجد هذا في من دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه وفي الأشعار في مدح من هذه صفته كثير وقد ذكرنا أكثره في كتاب بهجة المجالس والحمد لله كثيرا وقوله في هذا الخبر عندي شيء اتفق له والله عز وجل أعلم في احتراق أهل المخبر وكأنه من نحو قوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالمنطق أخذه الشاعر فقال ‏(‏إن البلاء موكل بالمنطق‏)‏ فصادف قوله قدرا سبق في علم الله - عز وجل‏.‏

باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام

1823- مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه هذا حديث لا خلاف في صحته وقد أفصح بأن أجرة الحجام تطيب له على علمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطي أحدا إلا ما يحل كسبه ويطيب أكله سواء كان عوضا من علمه أو غير عوض ولا يجوز في أخلاقه وسنته وشريعته أن يعطي عوضا على شيء من الباطل وقد قال صلى الله عليه وسلم من السنة قص الشارب وقال صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب وأعفوا اللحى وهذا كله يدل على أن كسب الحجام طيب لا بأس به وأن حديث أبي جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الدم ليس من كسب الحجام في شيء وأنه لا وجه لكراهة أبي جحيفة لكسب الحجام من أجل ذلك وهو حديث ثابت عن أبي جحيفة رواه شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فكسر محاجمه أو أمر بها فكسرت قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم قال أبو عمر نهيه عندنا عن ثمن الدم كنهيه عن الخمر والخنزير وثمن الميتة وثمن الكلب وليس من كسب الحجام في شيء بدليل حديث أنس المذكور وقد روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وهو إسناد حسن إلا أنه لا يخلو من أن يكون على سبيل التنزه وذلك -والله أعلم- لما فيه من جهل العوض لأنها صناعه كانت عندهم دناءة حتى قالوا الناس كلهم أكفاء إلا حائك وحجام ولم يكن في العرب من يتخذها صناعة مكسب وإنما كان يفعل ذلك بعضهم لبعض كإماطة الأذى وأخذ القمل من الرؤوس ونحو ذلك أو يكون منسوخا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجرة على حجامته إياه وفقه هذا الباب ما قاله بن عباس رضي الله عنه روى ذلك خالد الحذاء عن عكرمة ومحمد بن سيرين عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره وفي حديث عكرمة قال بن عباس ولو علمه خبيثا لم يعطه وفي حديث بن سيرين قال بن عباس ولو كان به بأس لم يعطه وقد ذكرنا الأسانيد عن خالد بذلك كله في التمهيد‏.‏

1824- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه قال أبو عمر روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مخالفا للفظه من وجوه منها حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث سمرة بن جندب وحديث بن عباس فحديث أبي هريرة رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة تبلغه ورواه صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان شيء يقع من الداء فإن الحجامة تنفع من الداء فاحتجموا صبيحة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين وحديث أنس رواه حميد وغيره عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمثل ما تداويتم به الحجامة وحديث سمرة رواه عبد الملك بن عمير عن حصين بن أبي الحر عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير ما تداويتم به الحجامة وحديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار وروي من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن يكن في شيء من أدويتكم هذه خير ففي شرطة محجم أو لدغة نار أو شربة عسل وما أحب أن أكتوي وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وفي إباحة الحجامة والتداوي بها إباحة التداوي بكل ما يرجى نفعه مما يؤلم ومما لا يؤلم وحسبك بلدغة النار والكي وقد قطع عروة ساقه معالجة وتداويا وخوفا أن يسري الداء إلى أكثر مما سرى وقد ذكرنا في التمهيد آثارا كثيرة في فضل الحجامة - والحمد لله كثيرا‏.‏

1825- مالك عن بن شهاب عن بن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجازة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال اعلفه نضاحك يعني رقيقك وقال بن بكير ناضحك ورقيقك وقال بن القاسم النضاح الرقيق ويكون في الإبل وقال عبد الملك بن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده الناضح من الغلمان والإبل وإنما يفترقون في الكثير والكثير من ناضح الإبل نواضح ومن الغلمان نضاح وقال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غلط فاحش وقال بن وهب ومطرف وبن بكير وبن نافع والقعنبي عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة عن أبيه وهو مع هذا كله مرسل وهو حرام بن سعد بن محيصة واتفق معمر وبن أبي ذئب وبن عيينة ويونس بن يزيد فقالوا فيه عن بن شهاب عن بن محيصة عن أبيه كما قال أكثر الرواة عن مالك وقال فيه الليث عن بن محيصة أن أباه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فأبى أن يأذن له فلم يزل به حتى قال أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك وقال فيه بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال فيه بن إسحاق عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جدة محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له أبو طيبة لم يسمه من أصحاب بن شهاب غير بن إسحاق وقد ذكرنا في التمهيد من غير طريق بن شهاب ما يعضد رواية بن إسحاق أن الغلام الحجام اسمه نافع أبو طيبة وقال الخليل الناضح الجمل الذي يستقى عليه الماء قال أبو عمر إنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة أكل إجارة غلامه الحجام لأنه يعمل في أكثر أمره بغير سوم -والله أعلم- فيعطى ما لا يرضى أو يطلب ما لا يرضى به الذي عمل له فيشبه الأجرة المعلومة هذا أو ما شاء الله مما هو أعلم به والذي عليه مدار هذا الباب ما قاله بن عباس قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني هوذة بن خليفة قال حدثني عوف عن محمد أن بن عباس سئل عن كسب الحجام فقال قد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن بن عباس أنه سئل عن كسب الحجام وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه وقد ردنا هذا المعنى بيانا في التمهيد‏.‏

باب ما جاء في المشرق

1826- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان قال أبو عمر إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم -والله أعلم- إلى ناحية المشرق بالفتنة لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي كانت سبب وقعة الجمل وحروب صفين كانت في ناحية المشرق ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق قال أبو عمر روينا عن حذيفة ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أنه قال أول الفتن قتل عثمان وآخرها الدجال ومعلوم أن أكثر البدع إنما ظهرت وابتدأت من المشرق وإن كان الذين اقتتلوا بالجمل وصفين منهم كثير من أهل الحجاز والشام فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق فكانت سببا إلى افتراق كلمة المسلمين ومذاهبهم وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة والله أعلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ذلك لعلمه بوقوعه ويحزن له ولو ذكرنا الآثار والشواهد بما وصفنا لخرجنا بذلك عما إليه في هذا الكتاب قصدنا وبالله التوفيق‏.‏

1827- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإن بها تسعة أعشار السحر وبها فسقة الجن وبها الداء العضال قال أبو عمر سئل مالك عن الداء العضال فقال الهلاك في الدين‏.‏

وأما السحر فمنسوب إلى أرض بابل وهي من العراق وتنسب أيضا إلى مصر‏.‏

وأما فسقة الجن فهذا لا يعرف إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وذلك معدوم في هذه القصة ولأهل الكوفة والبصرة روايات رواها علماؤهم في فضائلها ذكر أبو بكر بن أبي شيبة وغيره كثيرا منها ولم تختط الكوفة ولا البصرة إلا برأي عمر ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ ونزلها جماعة من كبار الصحابة وكان بها العلماء والعباد والفضلاء وأهل الأدب والفقهاء وأهل العلم وهذا أشهر وأغرب من أن يحتاج إلى استشهاد لأنه علم ظاهر وعلم فسقة الجن علم باطن وكل آية تعرف لناحيتها فضلا تنشره إذا سئلت عنه وتطلب العيب لمن عابها ومن طلب عيبا وجده والفاضل حيث كان فهو فاضل والمفضول الساقط حيث كان من البلدان لا تصلحه بلدة لأن الأرض لا تقدس صاحبها وإنما يقدس المرء عمله وإن من مدح بلدة وذم أخرى يحتاج إلى توقيف ممن يجب التسليم له على أنه لا مدح ولا ذم لبلدة إلا على الأغلب من أحوال أهلها‏.‏

وأما على العموم فلا وقد عم البلاء والفتن اليوم في كل جهة من جهات الدنيا‏.‏

باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك

1828- مالك عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت قال أبو عمر روى هذا الحديث بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر عن أبي لبابة والصحيح فيه ما رواه يحيى وأكثر الرواة لأن نافعا قد سمعه من أبي لبابة مع بن عمر كما سمع حديث الصرف مع بن عمر من أبي سعيد الخدري وقد أوضحنا ذلك من آثاره المتواترة في التمهيد منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره أنه سمع أبا لبابة يحدث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الجنان قال أبو عمر إلى هنا انتهى حديث القطان لم يقل التي في البيوت وقاله جماعة عن عبد الله بن عمر مثل ذلك ورواه أيوب عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت كما قال مالك وغيره إلا أن مالكا قال الحيات وقد قال مالك الجنان في حديثه عن نافع عن سائبة وسيأتي بعد إن شاء الله والجنان الحيات قال الخليل الجنان الحية وقال نفطويه الجنان الحيات وأنشد للخطفى جد جرير واسمه حذيفة‏:‏

يرفعن بالليل إذا ما أسدفا *** أعناق جنان وهاما رجفا

‏(‏وعنقاء باقي الرسيم خيطفا قال وبهذه الأبيات سمي الخطفا وقال غيره‏:‏

تبدل حالا بعد حال عهدتها *** تناوح جنان بهن وخيل

قال بن أبي ليلى الجنان الذين لا يتعرضون للناس والخيل الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم وروي عن بن عباس أنه قال الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقد روي هذا عن بن عمر أيضا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان يقتل الحيات كلها ويقول إن الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل كما حدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت قال فوجد بن عمر بعد ذلك حية في داره فأمر بها فأخرجت إلى البقيع وروى بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع أن أبا أمامة مر بعبد الله بن عمر وهو عند الأطم الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية فقال أبو لبابة يا أبا عبد الرحمن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل عوامر البيوت فانتهى عبد الله بن عمر عن ذلك ثم وجد ذلك حية في بيته فأمر بها فطرحت ببطحان قال نافع فرأيتها بعد ذلك في بيته قال بن وهب عوامر البيوت تتمثل بمثل حية دقيقة في المدينة بالبيوت وغيرها ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر‏.‏ وأما التي في الصحاري فلا تنذر وتقتل على كل حال‏.‏

1829- مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن نافع عن سائبة مرسلا لم يذكر عائشة ورواه جماعة عن مالك كما رواه يحيى مرسلا وليس هذا الحديث عند القعنبي ولا بن بكير ولا بن وهب ولا بن القاسم لا مرسلا ولا غير مرسل إلا أن القعنبي وحده ذكر هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء ولم يتابع القعنبي أحد من رواة مالك على هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة وإنما هو لفظ حديث نافع عن سائبة وقد رواه جماعة من أصحاب نافع عن نافع عن سائبة عن عائشة مسندا قال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني عبيد الله بن عمر عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء فمن تركهن فليس منا ورواه الليث عن نافع عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويقتلان أولاد النساء في بطون أمهاتهم قلت لنافع ما ذو الطفيتين قال ذو الخطين في ظهره وقال النضر بن شميل الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحيات ما سالمناهن مذ حاربناهن ومن تركهن خيفة فليس منا فقوله صلى الله عليه وسلم من تركهن فليس منا خارج على ما عدا ذوات البيوت فلا يقتل من ذوات البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين كما تقتل حيات الصحاري وعلى هذا يصح ترتيب الأحاديث وتهذيبها حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد ويعقوب بن المبارك أبو يوسف قالا حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال أخبرني محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما سلمناهن منذ عاديناهن ومن ترك منهن شيئا خيفة فليس منا قال يحيى بن أيوب سئل أحمد بن صالح عن تفسير ما سالمناهن منذ عاديناهن فقيل له متى كانت العداوة قال حين أخرج آدم من الجنة قال الله عز وجل ‏(‏اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو‏)‏ طه 123‏.‏

1830- مالك عن صيفي مولى بن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت فقلت نعم قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينا هو به إذا أتاه الفتى إلى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا فما يدري أيهما كان أسرع موتا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان قال أبو عمر قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي ألفاظه وفي ولاء صيفي في التمهيد لأن مالكا يقول فيه مولى بن أفلح وأفلح هو مولى أبي أيوب الأنصاري وقال بن عجلان فيه عن صيفي مولى الأنصار كذا قال فيه الليث وغيره عن بن عجلان وقال فيه بن عيينة عن بن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب ولم يقم إسناده بن عيينة والقول عندي في ذلك ما قاله مالك والله أعلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد رواه حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن غالب وزكريا بن يحيى الناقد قالا حدثنا خالد بن خداش قال حدثني حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فرجع من الطريق فإذا هو بامرأته قائمة بالحجرة فمد إليها الرمح فقالت ادخل فانظر ما في البيت فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فانتظمها برمحه وركز الرمح في الدار فانتفضت الحية وماتت ومات الرجل قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل بالمدينة جن مسلمون أو قال إن لهذه البيوت عوامر - شك خالد - فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا فإن عاد فاقتلوه وقال زكريا بن يحيى في حديثه فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني بن مسرور قال حدثني أحمد بن أبي سليمان قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال سمعت مالكا يقول في الحية توجد في المسجد إنها تقتل ولا يتقدم إليها‏.‏

وأما ذوات البيوت فإنها يتقدم إليها ثلاثا ثم تقتل قال مالك قد سمعت ذلك قال أبو عمر قال بعض أهل العلم لا تؤذن الحيات ولا يناشدن ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة لهذا الحديث وما كان مثله وممن قال ذلك عبد الله بن نافع وقال آخرون المدينة وغيرها سواء لأن إسلام الجن وأنه لا يحل قتل من أسلم من إنسي ولا جني وكما نزل من مسلمي الجن بالمدينة من تركها منهم كذلك ينزلون غير المدينة والله أعلم قال مالك أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ولا ينذرن بالصحاري قال أبو عمر روينا عن عائشة من حديث بن أبي مليكه وغيره عنها أنها قتلت حية بالمدينة فأريت في المنام أن قائلا يقول لها لقد قتلت مسلما قالت لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك وكان يجيء ليسمع القرآن فأصبحت فازعة فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله أو في الرقاب وذكر سنيد قال حدثني محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن حية طافت بالبيت سبعا قال فجاء عبد الله بن عمرو بن العاص فقال أيها الجان إنك قد قضيت طوافك بالبيت ولا نأمن عليك بعض سفهائنا فاذهب قال فحفر الحصباء ببطنه ثم ذهب مصعدا في السماء قال فجعلنا ننظر إلى بريق بطنه وهو ذاهب في السماء روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن سعد بن أبي وقاص وقال بينا أنا بعبادان إذ جاءني رسول زوجتي فقال أجب فلانة فاستنكرت ذلك فدخلت فقلت مه فقالت إن هذه الحية - وأشارت إليها - كنت أراها في البادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها قال فخطب سعد خطبة حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنك قد آذيتيني وإني لأقسم بالله إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك فخرجت الحية وانسابت من باب البيت ومن باب الدار فأرسل وراءها سعد إنسانا فقال انظر أين تذهب فتبعتها حتى جاءت المسجد وجاءت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقيت عليه ثم صعدت إلى السماء حتى غابت وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب بالأسانيد في التمهيد من ذلك ما حدثني أحمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني بحر بن نصر قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون وهذا إسناد جيد رواته أئمة ثقات وهو خير من إسناد حديث أبي الدرداء وقد ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر ما يحل ويظعن الغول والسعلاة وهو ضرب من ضروب الجن وفرع منهم يتصور في القفار والطرق ليلا ونهارا فتفزع المسافر وتتلون ألوانا في صور شتى منها قبيحة ومنها حسنة قال الفضل بن زهير‏:‏

فما تدوم على حال تكون بها *** كما تغول في أثوابها الغول

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه إذا تغولت الغيلان فأذنوا بالصلاة وقد ذكرت إسناده في التمهيد والحمد لله العلي المجيد‏.‏

باب ما يؤمر به من الكلام في السفر

1831- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر يقول باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم أني أعوذ بك من وعثاء السفر ومن كآبة المنقلب ومن سوء المنظر في المال والأهل قال أبو عمر الغرز لا يكون إلا في الرحال على الجمال وهو بمنزلة الركاب من السروج من جمل وغيره‏.‏

وأما قوله ازو لنا الأرض فمعناه اطو لنا الأرض وقرب لنا البعد وسهل لنا الوعر وأصل الانزواء الانضمام والانقباض ووعثاء السفر شدته وصعوبته ومعنى كآبة المنقلب أي لا ينقلب الرجل في سفره ولا ينصرف من وجهته إلى أمر يكتئب منه ويحزن له وسوء المنظر ما يسوءك النظر إليه وأن تقف عليه في أهلك ومالك وهذا الحديث يستند من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن سرجس وحديث البراء وحديث عبد الله بن عمر وغيرهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن الورد قال حدثني أحمد بن حماد بن مسلم قال حدثني سعيد بن أبي مريم ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة على الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ومن الحور بعد الكون ومن دعوة المظلوم‏.‏

وحدثني خلف قال حدثني بن الورد قال حدثني عبد الرحمن بن معاوية العتبي قال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وزاد وسئل عاصم عن الحور بعد الكون فقال صار بعد ما كان قال أبو عمر يريد رجع عما كان عليه من الخير‏.‏

وحدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد ومحمد بن عبد الله النيسابوري قالا حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني زكريا بن يحيى قال حدثني جرير عن مطرف عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر قال اللهم بلاغا يبلغ خيرا ومغفرة ورضوانا بيدك الخير إنك على كل شيء قدير اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم هون علينا السفر واطو لنا الأرض اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وقد ذكرنا بالأسانيد عن الصحابة في هذا الحديث في التمهيد‏.‏

1832- مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل هكذا قال يحيى عن مالك عن الثقة عنده وقال القعنبي وبن بكير وبن القاسم عن مالك أنه بلغه عن يعقوب والمعنى سواء إلا أن مالكا - رحمه الله - كان لا يروي إلا عن ثقة وقد روى هذا الحديث عن يعقوب بن الأشج جماعة منهم الحارث بن يعقوب وبن عجلان ويزيد بن أبي حبيب وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد على أنه قد اختلف فيه على بن عجلان وليس في هذا الحديث معنى أكثر من ظاهره إلا أن كلمات الله غير مخلوقة ولو كانت مخلوقة ما استعيذ بها - والله أعلم وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أدركت الناس منذ سبعين سنة وكان قد أدرك طائفة من الصحابة وكبار التابعين يقولون الله - عز وجل - الخالق وما سواه مخلوق إلا القرآن فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود‏.‏

باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء

1833- مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب‏.‏

1834- مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم قال أبو عمر كأن مالكا - رحمه الله - يجعل الحديث الثاني في هذا الباب تفسيرا للأول والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان ويبعد عنهم - وإنما سمي الواحد شيطانا والاثنان شيطانان لأن الشيطان في أصل اللغة هو البعيد من الخير من قولهم نوى شطون أي بائنة بعيدة فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه والأنس به وتمريضه ودفع وسوسة النفس بحديثه ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتعرضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين وكذلك الاثنان لأنه إذا مر أحدهما في حاجتهما بقي الآخر وحده فإن شردت دابته أو نفرت أو عرض له في نفسه أو حاله شيء لم يجد من يعينه ولا من يكفيه ولا من يخبر بما يطرقه فكأنه قد سافر وحده وإذا كانوا ثلاثة ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ويبقى الاثنان ثم يخرج الآخر مرة أخرى ويبقى الاثنان يكون هذا دأبا في الأغلب في أمورهم وإن خرج الاثنان لم يطل مكث الواحد وحده هذا ونحوه والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك صلى الله عليه وسلم وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم فوصله وأسنده وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روي عن عمر بن الخطاب من وجوه قد ذكرتها في التمهيد أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد واختلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافا كثيرا قال أبو عمر أبعد ها هنا بمعنى بعيد - والله أعلم وقد ذكرنا هناك حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا وقد عرضت لعبد الله بن عمر قصة شنعاء في سفر سافره وحده فرأى رجلا خارجا من قبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة يناديه يا عبد الله اسقني ماءا إذ خرج رجل بإثره من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم جبذه بالسلسلة فأدخله القبر ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر الرجل وحده وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده وتمامه في التمهيد‏.‏

1835- مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها هكذا رواه يحيى وجماعة الرواة عن مالك عن سعيد عن أبي هريرة ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهذا الحديث قد صرح بأنه لا يجوز لامرأة أن تسافر المدة المذكورة فيه إلا مع ذي محرم منها وأجمعت الأمة أنها تسافر مع زوجها حيث شاءت من قصير المسافة وطويلها وإن لم يكن محرم منها وقد جاء في الحديث من أخبار الآحاد العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر مع بعض أزواجه واختلفت ألفاظ الأحاديث المسندة في هذا الباب فرواه مالك وبن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه وكذلك رواه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مسيرة يوم وليلة ورواه بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم لم يقل يوما ولا غيره ولا قال في الإسناد عن أبيه ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيه فمنهم من قال عنه لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم ومنهم من قال يوما ومنهم من قال يومين ومنهم من قال ثلاثة والألفاظ عنهم في هذا الحديث مضطربة جدا ورواه عبد الملك بن عمير عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم ورواه عبد الملك بن ميسرة عن قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة فوق يومين إلا مع زوجها أو ذي محرم منها ورواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة سفرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها وبعض أصحاب الأعمش يقول فيه بإسناده هذا فوق ثلاث ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلف الفقهاء في المحرم من المرأة هل تكون من السبيل التي شرطها الله عز وجل في الحج بقوله ‏(‏ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏)‏ آل عمران فقال قوم المحرم من المرأة من السبيل فإذا لم يكن معها زوج أو ذو محرم فليست ممن استطاعت سبيلا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها عن السفر إلا معه وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك وجوازه في كتاب الحج واختلف العلماء أيضا في المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة فقال قوم بريدا وقال آخرون يوما وقال آخرون يوما وليلة وقالت طائفة يومين وقالت طائفة ثلاثة أيام على حسب ما روى كل واحد منهم في هذا الباب وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الصلاة فأغنى عن إعادتها ها هنا ومذهب الكوفيين أن الصلاة لا تقصر في المسافة أقل من ثلاثة أيام وحجتهم عن الثلاثة الأيام مجتمع عليها للمسافر في قصر الصلاة قالوا ولا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سافر أقل من ثلاث فقصر الصلاة وإنما قصر الصلاة بذي الحليفة في توجهه إلى مكة والأصل في الصلاة التمام فالواجب إلا تقصر إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف وقد أجمعوا أن من سافر ثلاثة أيام فله أن يقصر وما أجمعوا عليه فهو اليقين الذي يجب أن يدان به‏.‏

وأما ألفاظ الأحاديث واختلافهما فذلك عندي -والله أعلم- لا يصح حمله إلا على أجوبة السائلين فأدى كل واحد منهم معنى ما أجيب به عن سؤاله كأنه سأل فقال يا رسول الله هل تسافر امرأة بريدا بغير محرم فقال لا فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم وكذلك السائل عن مسيرة يوم وليلة وعن ثلاثة أيام فأدى كل واحد منهم معنى ما سمع مما أجيب به عما سأل عنه والذي جمع معاني آثار هذا الحديث - على اختلاف ألفاظه - أن تكون المرأة تمنع من كل سفر يخشى عليها فيه الفتنة إلا مع ذي محرم أو زوج قصيرا كان السفر أو طويلا والله أعلم‏.‏